الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن أقوى الروابط بين الناس الأخوَّة الإسلامية، فإنها تجمع بين المسلمين، وإن كانوا من أماكن متفرقة، وبلاد بعيدة، وجنسيات مختلفة، وقبائل شتى، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]. وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا لَا فَضلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسوَدَ، وَلَا أَسوَدَ عَلَى أَحمَرَ إِلَّا بِالتَّقوَى"[1].
والأخوة الإسلامية لها حقوق وواجبات، منها:
أولًا: أن يكون المسلم نصيرًا، ومعينًا لأخيه المسلم، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. وقال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]. وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72].
روى البخاري في صحيحه من حديث أنس- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"[2].
ثانيًا: أن لا يظلم المسلم أخاه بأيِّ نوعٍ من أنواع الظلم وإن قَلَّ، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة الوداع: "أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"[3].
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ[4] وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ"[5].
ثالثًا: من لوازم الأخوَّة الإسلامية أن يرحم بعضهم بعضًا ويحب بعضهم بعضًا، وقد ضرب النبي- صلى الله عليه وسلم - لذلك مثلًا في غاية البيان على أن الأخوة الإسلامية لا نظير لها في جميع العلاقات التي تربط الناس بعضهم ببعض.
ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[6].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"[7].
رابعًا: النصح: فينصح المسلم أخاه المسلم في أمر دينه ودنياه، ومن ذلك: تعليم الجاهل والمشورة عليه بالخير، والنصح له في ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظم أبوابه الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جرير- رضي الله عنه - قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"[8]. وهذه النصيحة هي التواصي بالحق الذي جاء في سورة العصر إذ يقول تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
خامسًا: رد السلام عليه، وإجابة دعوته، وتشميته إذا عطس، وزيارته عند المرض، واتباع جنازته، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ"[9].
سادسًا: أن يحب المسلم لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"[10].
وقد جاء في الكتاب والسنة الحث على الأمور التي تقوي الروابط بين المسلمين، وتجلب المودة، وتزيل الأحقاد، وتذهب سخائم النفوس، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"[11].
وروى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ"[12].
وروى مسلم في صحيحه من حديث صفوان بن عبد الله أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ"[13].
وفي التنزيل المبارك: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وإخواننا في فلسطين، وأفغانستان، والعراق، والشيشان، وكشمير، وغيرها من بلاد المسلمين يعانون من القتل، والتشريد، والتعذيب، وسلب الممتلكات، فندعو الله أن يكشف ما بهم من ضر، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[14].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء، والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فَلأَتبَاعِهِ من المواساة بحسب اتِّبَاعِهِم لَهُ"[15].
والحنيفية السمحة ملة إبراهيم - عليه السلام -، وملة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - مبناها على أمرين:
أولهما: الإخلاص لله وثانيهما: الموالاة، والمعاداة فيه، فالمسلم أخو المسلم، وإن كان من أقصى الأرض، والكافر عدو، وإن كان من أمه وأبيه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]. ووصف الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]. وقد خالف هذا النهج القويم بعض المنتسبين للإسلام فأبعدوا المسلم وأقصوه، وقربوا الكافر وأدنوه، ومن ذلك ما يحدث في بعض الشركات والمؤسسات، فتكون المرتبة والراتب الأعظم للكافر، وإن كان المسلم أحسن أداءً، وأفضل عملًا، بل ربما جُعل الكافر رئيسًا للمسلم.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد بين تعالى أن هذا الفعل سبب لنشر الفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74].
وقال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] مسند الإمام أحمد (38/474) برقم 23489 وقال محققوه إسناده صحيح.
[2] برقم 2443.
[3] برقم 4403 وصحيح مسلم برقم 66 مختصراً.
[4] أي يترك نصرته.
[5] برقم 2564.
[6] برقم 6011 وصحيح مسلم برقم 2586 واللفظ له.
[7] برقم 481 وصحيح مسلم برقم 2585 واللفظ له.
[8] برقم 57 وصحيح مسلم برقم 56.
[9] برقم 2162.
[10] برقم 13 وصحيح مسلم برقم 45.
[11] برقم 54.
[12] برقم 2392 وقال هذا حديث حسن صحيح غريب.
[13] برقم 2733.
[14] جزء من حديث صحيح البخاري برقم 2442 وصحيح مسلم برقم 2580.
[15] الفوائد (246-247).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/66194/#ixzz5virC8ws1