خطبة الجمعة بعنوان عبادات تدفع البلاء

خـــطـــبــــة الجــمـــعــة القــــــادمــــــة
بــعـــنـــوان 
عــبـــادات تــــــدفــــــع الـبـــلاء
  للشـــــــيخ مـــحـــمـــــد عــبــــد الــتـــواب ســويـــدان 
    
عنـــاصـــر الخــطـــبـــة : 
العـنـصـــر الأول : عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ
العنــصـــر الثــانـي : عـــبـــــادات تـــــدفــــــع الـبــــلاء 
العنـــصــر الـثـالث : العبادات الوقائية 
نـــــص الخــــــطــــــبــــــة :

الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ كلِّ ضائقةٍ وشدَّةٍ فَرَجاً، ويسَّرَ لِمَنِ اعتصمَ به مِنْ كلِّ نازلةٍ مَخْرجاً، وجعلَ قلوبَ أوليائِهِ مُتنقِّلةً في منازِلِ عُبوديَّتِهِ حُبّاً وخوفاً ورَجاً،الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهرِه، العليم بحال العبد في سرِّه وجهره، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة،وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:أيها المسلمون.
"كورونا" لعله المصطلح الأكثر شيوعاً وتداولاً وانتشاراً بين الناس، ذلكم الفايروس الذي لا يُرى بالعين المجردة،أصبح حديث الناس والمجالس والقنوات ومواقع التواصل، بين مُقلٍ ومستكثر وناقل ومحلل، وأحدث تغييراً عجيباً في حياة الناس، وتسبب بالهلع والفزع والخوف والذعر؛ وترتب على ذلك إجراءات صارمة فتوقفت المدارس والجامعات والعديد من التجمعات وحركة المطارات، وأغلقت الحدود وبعض المدن بالكامل، ولا زالت الأزمة في بدايتها والتكهنات وتناقل الأخبار والأرقام والأعداد هو سيد الموقف.وبغض النظر عن التكهنات والتحليلات والأسباب وراء انتشار هذا الفايروس الخطير الذي لا يُرى إلا بمجاهر دقيقة، وبعيداً عن التداعيات والآثار الكارثية السلبية الاقتصادية وغيرها؛ فالسؤال المهم الذي يطرح نفسه في مثل هذا الحدث الخطير والطارىء الكبير، هل يعقل أن نكتفي بمتابعة الأخبار والرصد والتحليل؟! أم هنالك جوانب وزوايا أهم وأعظم ينبغي أن نجعل لها حيزاً لأخذ العبرة والعظة والحكمة من كل حدث! { { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [ النور ].
إن في انتشار هذا الوباء لعبرةٌ ودلالة على عظيم قدرة الرب عز وجل وضعف المخلوقين الذين مهما بلغوا من التطور والتقنيات والتكنولوجيا والقوة والطب، فهم لا يخرجون عن دائرة الضعف والعجز البشري، وأن الله عز وجل ذو القوة المتين وأن القوة لله جميعاً، { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء ]، وقال جل في علاه: { { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} }[الحج ].فلا يوجد شيء في الكون، صغيرًا كان أو كبيرًا إلا بإذن الله: قال -تعالى-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر )، وقال: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات ).
ولا يتحرك ساكن، ولا يسكن متحرك إلا بحكمة وتقدير يريده الله: قال -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر )، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود)، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن].قال الحسن – رحمه الله-: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا فَخَلَقَهُمْ بِقَدَرٍ، وَقَسَمَ الْآجَالَ بِقَدَرٍ، وَقَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ بِقَدَرٍ، وَالْبَلَاءُ وَالْعَافِيَةُ بِقَدَرٍ.
وقال النبي ﷺ (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (رواه مسلم).،
عباد الله .وعند حلول النكبات وتوالي الأزمات وتزايد المدلهمات، يتجلى لطف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء وتجنيبهم ما حل بغيرهم، والتحلي بالصبر والرضا بقدر الله عند الشدائد، يقول ﷺ كما في صحيح مسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشة وفزعاً وخوفا.يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها}
ومن رحمته - سبحانه - أنه جعل لنا عباداتٌ جاءتِ النصوصُ بأنها تدفَعُ البلاء؛ علمنا إياها النبي ﷺ ومن هذه العبادات : 
🔴═◄ بالتضرع والدعاء يدفع البلاء :
********************************
أيها المسلمون: أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله -عز وجل- من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه،{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة ]، يقول الحسن: وَمِفْتَاحُ السَّمَاءِ الدُّعَاءُ. وقال سبحانه: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا }[الأنعام ]. قال ابن كثير: أَيْ فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وَتَمَسْكَنُوا إِلَيْنَا. وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ -جل في عُلاه- وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام ]. ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه. قال رسولُ اللهِ ﷺ : «مَنْ فُـتِـحَ له مِنـكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُـتِحَتْ لـه أَبـوابُ الرَّحْمَةِ، وما سُئِـلَ اللَّهُ شَيْـئًا – يعني: أَحَبَّ إِليـهِ – مِن أَنْ يُسْأَلَ العافِـيَـةَ».
وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنَّ الدُّعاءَ يَـنْـفَعُ مِمَّا نَـزَلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَـعَـلَـيكُم عِبادَ اللهِ بالدُّعاءِ». [رواه الترمذي وغيره].وقال ﷺ (( « وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» )). (صحيح الجامع ) 
ومن عجائب قوة تأثير الدعاء، أن عنوان الفساد يأجوج ومأجوج عند خروجهم في آخر الزمان، يحاصرون عيسى – عليه السلام- وأصحابه في جبل الطور ببيت المقدس، فيرغبون إلى الله بالدعاء فيرسل الله عليهم نوعاً من الديدان يسمى النغف فيصبحون قتلى كموت نفس واحدة، ثم يرغبون إلى الله برفع زهمهم ونتنهم فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ينظر صحيح مسلم.
ولما كان المرض والوباء من قدر الله فلا يرده إلا الدعاء كما ثبت عن النبي ﷺ عند الترمذي بسند حسن قوله: (( {لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ} )).
وقال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ (الإشراف في منازل الأشراف): يَنْزِلُ الْبَلَاءُ فَيُسْتَخْرَجُ بِهِ الدُّعَاءُ. وقد ترجم البخاري " بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ"، وبوب النَّسائي في سنن الكبرى باب " الدُّعَاءُ بِنَقْلِ الْوَبَاءِ"، ثم ذكر حديث دعاء نقل الحمى إلى الجحفة.
🔴═◄ ومن الأدعية والتحصينات العظيمة النبوية دعوةُ ذي النُّون .يقول النَّبيِّ ﷺ «دعوةُ ذي النُّون إِذْ دَعا بها وهو في بَطْنِ الحُوتِ: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمينَ»، لَم يَـدْعُ بها رجلٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ اللهُ له». [أخرجه أحمد والترمذي].قال الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء ] قـال ابنُ القيِّم في «الفوائد»: «فما دُفِـعَتْ شدائِد الدُّنيا بِمثل التَّوْحِيد، ولذلك كان دُعاء الكَرْبِ بِالتَّوحِيـدِ، ودعوةُ ذِي النُّون التي ما دعا بها مَكْرُوب إِلَّا فَـرَّج الله كَرْبَهُ بِالتَّوْحِيدِ. فلا يُلْـقِي في الكُـرَبِ العِظام إِلَّا الشِّرك، ولا يُنْجي مِنها إِلَّا التَّوْحِيد، فَهُوَ مَفْـزَعُ الخَلِيقةِ ومَلْجَؤُها وحِصْنُها وغِياثُها، وباللَّهِ التَّوْفِيق»وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ ﷺ يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: "لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم".
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة؛ ما أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني عن عثمان – رضي الله عنه – أنه سمع النبي ﷺ قال -: (( «مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُمْسِىَ)). قَالَ فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِى سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَىَّ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلاَ كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِى أَصَابَنِى فِيهِ مَا أَصَابَنِى غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. ورواه الترمذي في سننه بلفظ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لم يَضُرَّهُ شَيْءٌ)).قال القرطبي هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا دليله دليلًا وتجربة فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا فتفكرت فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات.( الفتوحات الربانية )
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضا التي تقيك الأسقام والآفات؛ أن تقول: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرِّ ما خلق"، لما ثبت في صحيح الترغيب عن النبي ﷺ أنه قال: (( «من قال حين يُمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شر ما خلق)؛ لم تَضُرَّهُ حُمَةٌ تلك الليلة» )).يقول ابن باز - رحمه الله: ومما يحصل به الأمن والعافية والطمأنينة والسلامة من كل شر، أن يستعيذ الإنسان بكلمات الله التامات، من شر ما خلق ثلاث مرات صباحا ومساء.
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضا، ما أخرجه ابن السُّنِّي في عمل اليوم والليلة. وصححه شعيب الأرنؤوط، أن النبي ﷺ قال: (( «مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» )).
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة الواقية الجامعة التي لم يكن ﷺ يدعها حين يمسي وحين يصبح: (( «اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي» )). أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني.
🔴═◄ ومن الأدعية والتحصينات العظيمة النبوية المهمة التي تقال في الصباح والمساء، ما أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ (( «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي» )) فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ. عافني في بدي: أي من الأمراض والأسقام والآفات والشرور والأوبئة التي تضعف قوتي عن الطاعة.
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية ما أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني أن النبي ﷺ –كان يقول: (( «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ» )) أي الأمراض الرديئة الخطيرة، ذات الأثر السيء على المريض ومن حوله، كالأمراض المزمنة والسرطان ومرض الكورونا المنتشر هذه الأيام.
🔴═◄ ومن الأدعية النبوية الجامعة والتحصينات النافعة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ (( «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» )). قال الطيبي في شرح المشكاة: وتحول عافيتك: أي من تبدل ما رزقتني من العافية إلي البلاء. وفجاءة نقمتك: أي بمصيبة أو بلية تأتي على غير ميعاد أو توقع أو استعداد.
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية الدعاء عند الخروج من المنزل، فقد «أخرج أبو داود في سننه وصححه الألباني أن النبي ﷺ قال: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟»
🔴═◄ ومن الأدعية المهمة ما أخرج الترمذي في جامعه وحسنه الألباني، أن النبي ﷺ قال: (( «مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ» )). وفي رواية أخرى عند الترمذي وصححها الألباني: (( «لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ» )). وفي رواية أخرجها البزار في مسنده وحسنها الألباني في صحيح الجامع: (( «كَانَ شَكَرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ» )). وهذا توجيه نبوي عظيم ومهم لمن رأى مريضاً أو مبتلى بلاءً دينياً أو دنيوياً، أن يبادر بهذا الدعاء مع اليقين والإيمان بأثره، فإن الله سيعافيه منه إن شاء الله .
🔴═◄ قراءة القرآن تدفع البلاء :
********************************
أيها المسلمون . ومن العبادات التي تدفع البلاء القران الكريم يقول الله (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (الأسراء). ويقول جل وعلا (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء (فصلت) كتاب الله شفاء لجميع الأدواء والأمراض، الصحابي قرأ فاتحة الكتاب على من لدغ بعقرب؛ فشفاه من السم الناقع.عجبًا من مريض لم يترك طبيبًا إلا وذهب إليه، ثم غفل عن أعظم دواء: التداوي بالقرآن. قال ابن القيم: «ومن هجر القرآن: هجر التداوي والاستشفاء به». فما أعظم كلمات الله.
«القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة. وما كل أحد يؤهل، ولا يوفق للاستشفاء به». (ابن القيم).
«وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق، وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه؛ لم يقاومه الداء أبدًا». (ابن القيم).
«وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال؛ لصدعها، أو على الأرض؛ لقطعها». (ابن القيم).
«فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه، لمن رزقه الله فهمًا في كتابه». (ابن القيم).
🔴═◄ ومن التحصينات المؤثرة الفعالة قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء تكفيك من كل شيء. فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» ».أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
🔴═◄ ومن التحصينات الوقائية القرآنية المهمة قراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في الليل، لما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (( «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» )).ذكر بدر الدين العيني في عمدة القاري معنى كفتاه: قيل: مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة.وقيل: معناه كفتاه كل سوء ووقتاه من كل مكروه، كما في مرقاة المفاتيح.
🔴═◄ ومن التحصينات القرآنية الوقائية المهمة؛ قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ، كما في قصة أبي هريرة – رضي الله عنه – مع الشيطان لما وكله النبي ﷺ بحفظ زكاة رمضان كما في صحيح البخاري.
🔴═◄ الصلاة تدفع البلاء :
       ****************************************
أيها المسلمون. الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ ، فعن أبي الدرداء ، وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسولِ اللهِ ﷺ عن اللهِ عز وجل أنه قال: ابنَ آدمَ اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه ) (  [ حسنه الذهبي في “السير”، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” ) .
🔴═◄ وعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ  الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ) ،( مسند أحمد، وأبو داود ) .  قال الإمام  المناوي رحمه الله  ومعنى : “(أكفك آخره) أي : شر ما يُحدثه تعالى في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا ، فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد ، وأما هو فلا تنفعه الطاعة ، ولا تضره المعصية ) (فيض القدير للمناوي ) .
وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الصلاة ، فذهب بعضهم إلى أن المراد بها صلاة الضحى ، منهم: أبوداود ، والترمذي ، والعراقي ، وابن رجب الحنبلي ، وغيرهم .
وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بها صلاة الصبح وسنتها، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم .
🔴═◄ فالصلاة تدفع الكرب وتنجي صاحبها المداوم عليها من العقبات والشدائد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ ) (صحيح البخاري ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وفي الحديث أنَّ المفزعَ في الأمور المُهمَّة إلى الله، يكون بالتوجُّه إليه في الصلاة ، يقول حذيفةَ رضي الله تعالى عنه ( كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى ) ( فتح الباري لابن حجر بسند حسن )  لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة ]، وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم لأمَّتِه، وحثهم على اللُّجوءِ إلى الصَّلاةِ عِندَ النَّوائبِ .
🔴═◄ وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَسْجِدِ  ـ فصلى بالناس ـ  وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاَةِ ». وَقَالَ أَيْضًا « فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ » ( صحيح مسلم) .
🔴═◄ إذا داهمك الخَوْفُ وطوَّقك الحزنُ ، وأخذ الهمُّ بتلابيبك ، فقمْ حالاً إلى الصلاةِ ، تثُبْ لك روحُك ، وتطمئنَّ نفسُك ، إن الصلاة كفيلةٌ – بأذنِ اللهِ باجتياحِ مستعمراتِ الأحزانِ والغمومِ ، ومطاردةِ فلولِ الاكتئابِ ، كان ﷺ إذا حزبَهُ أمرٌ قال : (( أرحنا بالصلاةِ يا بلالُ )) فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتهُ وبهجتَهُ .
🔴═◄ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ ((دخل إبراهيمُ قريةً فيها جبارٌ مِن الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأةٌ من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: مَن هذه؟ قال: أختي، فأتى سارةَ، وقال: يا سارةُ، ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرُك، وإنَّ هذا سألني عنكِ، فأخبرتُه أنكِ أختي، فلا تكذِّبي حديثي، فأرسَل إليها، فلما دخلت إليه قام إليها، قال: فأقبَلَت تتوضأ وتصلِّي، وتقول: اللهم إن كنتَ تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنتُ فرجي إلا على زوجي، فلا تُسلِّط عليَّ هذا الكافر، قال: فغُطَّ حتى ركض الأرض برجلِه، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدَعَت الله، فأُطلِق، ثم تناولها ثانية، فأُخذ مثلها أو أشدَّ، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدَعَت، فأُطلق، فدعا بعض حجبتِه، وقال: إنكم لم تأتوني بإنسان؛ إنما أتيتموني بشيطانٍ! فأخدَمها هاجر، فأتت إبراهيم، فقالت: ردَّ اللهُ كيدَ الكافر - أو الفاجر - في نحرِه، وأخدَمَ هاجرَ))؛ [أخرجه البخاري].قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث... أن مَن نابه أمرٌ مُهِمٌّ مِن الكرب ينبغي له أن يفزَع إلى الصلاة".
ومنها قِـيَـاُم اللَّـيْـلِ: فعن بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّـيْـلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَـةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّـئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ». [رواه الترمذي وغيره حسنه الألباني].

🔴═◄ كثرة الصلاة على النبي تدفع البلاء ،
      *******************************
 عن أُبَيِّ بن كعبٍ – رضي الله عنه – : كَانَ رسول الله ﷺ – إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللهَ ، جَاءتِ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟ فَقَالَ : (( مَا شِئْتَ )) قُلْتُ : الرُّبُع ، قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فَالنِّصْف ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : أجعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : (( إذاً تُكْفى هَمَّكَ ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ )) ( سنن الترمذي وحسنه الألباني  ) .
قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى : « مَنْ فاته كثرة الصيام والقيام فليشغل نفسه بالصّلاة على رسول الله ﷺ فإنك لو فعلت في عمرك كل الطاعات ، ثم صلى الله عليك صلاة واحدة ، رجحت تلك الصّلاة الواحدة على كل ما عملته في عمرك من جميع الطاعات ، لأنك تصلي على قدر وسعك ، وهو سبحانه وتعالى يُصلي على قدر ربوبيته ، هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلَّى عليك عشراً بكل صلاة ، كما جاء في الحديث الصحيح » .
🔴═◄ و قال سهل التستري رحمه الله : « الصلاة على النبيّ ﷺ أفضل العبادات ،لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ،ثمّ أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليست كذلك» .
 وقال ابن القيم رحمه الله : « من أراد انشراح الصدر ، وغفران الذنب ، وتفريج الكرب ، وذهاب الهمّ فليُكثر من الصّلاة على النبيّ ﷺ »
🔴═◄ ومن عجيب ما ورد عن فضل الصلاة على النبي ﷺ وأنها تفرج الكرب ما ذكره الحافظ السخاوي في كتابه ( القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ) قال :حكى الفاكهاني في كتاب “الفجر المنير” قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير أنه ركب في المركب في البحر المالح، قال: وقد قَدِمَتْ علينا ريحٌ تُسَمَّى (الإقلابية)
، قَلَّ مَن ينجو منها مِن الغرق. فنِمْتُ فرأيتُ النبيَّﷺ وهو يقول لي: قل لأهل المركب أن يقولوا ألف مرة: *اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تُنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتَقضي لنا بها جميعَ الحاجات، وتُطهرنا بها من جميع السيئات، وتَرفعُنا بها عندك أعلى الدرجات، وتُبَلّغُنا بها أقصى الغايات مِن جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات*.قال: فاستيقظت وأخبرت أهل المركب الرؤيا؛ فصلينا نحو (ثلاثمائة) مرة؛ ففَرَّجَ الله عنا وأسكن عنا تلك الريح ببركة الصلاة على النبي ﷺ . ورَوى هذه القصةَ المجدُ اللُّغوي، ونقل عَقِبها عن الحسن بن علي الأسواني قال: ومَن قالها في كلِّ مُهِمٍّ ونازِلةٍ وبَلِيَّةٍ ألفَ مرةٍ؛ فَرَّجَ الله عنه، وأدرك مأمولَه( النفحة الإلهية في الصلاة على خير البريه للشيخ المحدث عبدالله الصديق الغُمَاري ] ).

ملازمة الاستغفار :
********************************
من العبادات اليسيرة ذات التأثيرات العظيمة في دفع البلاء
كثرة الاستغفار، إذ من داوم عليه أعاذه الله من الشرور ودفع عنه البلاء والنقم والمحن،قال الله سبحانه( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) (نوح).وقال تعالى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) (هود )وقال تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال ].قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما العذاب المدفوع، فهو يَعُمُّ العذاب السماويَّ، ويعمُّ ما يكون من العباد؛ وذلك أن الجميع قد سمَّاه الله عذابًا".
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال ]، فهذا مانعٌ مِن وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه".
🔴═◄ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أمانانِ كانا على عهد رسول الله ﷺ رُفع أحدهما وبقي الآخر: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال ]"؛ [أخرجه أحمد].
وعن فَضالةَ بن عُبَيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((العبدُ آمنٌ من عذاب الله ما استغفر الله))؛ [أخرجه أحمد]. 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : ((مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) رواه أبو داود  وابن ماجه وأحمد في "المسند" ، والطبراني في "االمعجم  الاوسط ؛ وغيرهم .
🔴═◄ صَنائعُ المَعروف تدفع البلاءات والآفات،
*************************************
ومن العبادات التي تدفع البلاءات والآفات في الأموال والأبدان صنائعُ المعروفِ مع الآخرين،وصنائع المعروف هي الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف، من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة، أو تحمل دَين، أو بعضه، أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة؛ (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن ]،(إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف]،
🔴═◄ وصدقة السر تطفئ غضب الرب، ففي الترمذي: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء". وفي الترمذي أيضا من حديث معاذ -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"
وعَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ : «صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ». [رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع].
قال ابنُ القَـيِّم رحمه الله: «ومِنْ أَعْظَمِ عِلاجات المرضِ: فِعْلُ الخيرِ والإِحسان، والذِّكْـرُ، والدُّعاءُ، والتَّـضَرُّعُ، والابتهالُ إلى الله، ولهذه الأمور تأثيرٌ في دَفْعِ العِلَل، وحُصُولِ الشِّفاءِ؛ ولكن بحَسَبِ استعدادِ النَّـفْس، وقَـبُولِها، وعَقِيدتها في ذلك ونفعِه» [زاد المعاد].
🔴═◄ إن الصدقة لترفع الأمراض والأعراض من مصائب وبلايا، وقد جرب ذلك الموفقون من أهل الله، فوجدوا العلاج الروحي أنفع من العلاج الحسي، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج بالأدعية الروحية والإلهية، وكان السلف الصالح يتصدقون على قدر مرضهم وبليتهم، ويخرجون من أعز ما يملكون. قال ﷺ ( داووا مرضاكم بالصدقة ) حسنه الألباني في صحيح الجامع.
🔴 وكما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) (صحيح الجامع )
وقال العلامة ابن القيم: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه".
وقال رحمه الله: "في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم"
يقول ابن شقيق: ( سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ ) صحيح الترغيب.
وقال البيهقي: (في هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبدالله - رحمه الله - فإنه قرح وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب، وبقي فيه قريبًا مِن سنة، فسأل الأستاذ الإمام "أبا عثمان الصابوني" أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثَرَ الناسُ التأمين، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأةٌ في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبدالله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول لها: "قولي لأبي عبدالله يوسع الماء على المسلمين"، فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأمر بسقاية بُنِيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها أمر بصبِّ الماء فيها وطرح الجمد؛ أي: الثلج في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مرَّ عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين.
ويُذكر أن رجلاً أصيب بالسرطان، فطاف الدنيا بحثًا عن العلاج، فلم يجده، فتصدق على أمِّ أيتام، فشفاه الله - تعالى.
فأحْسِنوا -أيها المسلمون-، ولا تحقروا من المعروف شيئا فإن الله لا يضيع أجر المحسنين , وإن الله لمع المحسنين.
بارك الله ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

            الخطبة الثانية :
************************************************
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البر الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتديْن إلى يوم الدين.أما بعد:
🔴═◄ أيها المسلمون: الإسلام لا ينفي انتقال المرض وسريانه إلى الغير، ولكن ينفي اعتقاد الجاهلية بأن الأمراض تعدي بطبعها استقلالًا، تُعدي بنفسها لا بقدر الله،وبمشيئة الله وإذنه: فنفى النبيُّ ﷺ ذلك، وقال: (لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ) رواه البخاري ومسلم ، وأثبتَ ﷺ أن العدوى قد تنتقل إذا قدَّر الله ذلك، فعَنْ (أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ النبيُّ ﷺ «لا عَدْوَى ولا صَفَرَ، ولا هَامَةَ»، فقالَ أعرابيٌّ: يا رسولَ اللهِ، فَمَا بالُ الإبلِ تكُونُ في الرَّمْلِ كأَنَّها الظِّبَاءُ، فيُخَالِطُها البعيرُ الأجْرَبُ فيُجْرِبُها؟ فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ») رواه البخاري ومسلم، قوله: "فما أجرب الأول"، يريد أن أول بعير جرُب منها، كان جربُه بقضاء الله وقدره لا بالعدوى، فكذلك ما ظهر بسائر الإبل من بعد. 
ولقد أثبتت البحوث والدراسات الطبية أن دخول الميكروب إلى البدن لا يلزم منه العدوى، لكن مخالطة المصاب من الأسباب وليست كل الأسباب، ولا زال الطبُّ حائراً في مسألة العدوى لم تصيب بعض الأفراد ولا تصيب الباقين وهم في منزل واحد، ومأكلهم واحد، ومشربهم واحد؟
🔴═◄ العبادات الوقائية من الأوبئة والأمراض :
************************************************
أيها المسلمون. والأخذ بالأسباب المادية المشروعة الممكنة من سنن الله الكونية، بل هي من شيم المرسلين والصالحين، ومن صميم تحقيق العبودية وتمام التوكل على الله سبحانه، فقد أرشدنا الله عز وجل في غير ما آية لتحري الأسباب، كأمر الله سبحانه لمريم بهز جذع النخلة ليتساقط الرطب، مع أنها في مخاض وضعيفة ولا تقوى على ذلك أبداً إلا أنها الأسباب.
فحقيقة التوكل هو اعتماد القلب على الله مع مباشرة الأسباب، فالاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع ونقص في العقل، والاقتصار على الأسباب دون اعتماد القلب على الله عجز تواكل وشرك في الأسباب.
يقول ابن القيم في مدارج السالكين: فَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا الْمَكْرُوهُ. فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْهُ التَّوَكُّلُ. وَلَكِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ عَدَمَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَقَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِهَا؛ فَيَكُونُ حَالُ قَلْبِهِ قِيَامَهُ بِاللَّهِ لَا بِهَا. وَحَالُ بَدَنِهِ قِيَامَهُ بِهَا.وقد أكد هذا المعنى الدقيق شيخ الإسلام ابن تيمية مراراً ونقل عن طائفة من العلماء - كما في التحفة العراقية - قولهم: الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا نقص فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع.فالمرض والشفاء بيد الله -عز وجل-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء]، والتداوي والعلاج ما هو إلا أخذ بالأسباب التي أودعها الله -تعالى- في الكون، وهو أمر مشروع، لا يتعارض مع قضاء الله وقدره.وقد جاءت التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة المحمدية ما يحفظ على الناس أجسادهم وصحتهم وبكل ما يصلح حالهم. وجعلت الحفاظ على حياة وصحة الإنسان أحد الضروريات الأساسية التي أمرت الشريعة بالحفاظ عليها وحمايتها وتنميتها ومن هذه التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة :
🔴═◄ الأمر بالغسل والتطهر من الأوساخ والأدران التي هي مرتع للأمراض وسبب في نقلها وانتشارها, فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) [المائدة ]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة ].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ "حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده".
وفي صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ قال: "الطّهور شطر الإيمان"، حيث جعل النظافة والتطهر نصف الإيمان.فكان هذا الغسل وهذا الوضوء الذي نكرره كل يوم باستمرار من أعظم أسباب الوقاية من الأمراض، والغاسل لهذه الجراثيم، والمذهب لهذه المخلوقات الضارة على سطوح الأجساد وبشرة العباد.وأمر بالحرص على السواك والتأكيد عليه، وعلى المضمضة والاستنشاق: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ، ورأينا: خلل أصابع يديك ورجليك ، ورأينا وغسل البراجم ، والأشاجع، وعقد الأصابع، وكل التجاويف الموجودة، 
 ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة المحمدية مما يحفظ على الناس أجسادهم وصحتهم
🔴═◄ النهى عن الإستنجاء باليمين، قالَ ﷺ : (إذا شَرِبَ أحدُكُم فلا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ، وإذا أَتَى الخلاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيمينِهِ، ولا يَتَمَسَّحْ بيمينهِ») رواه البخاري ومسلم، قال ابنُ مُفلح: (ويُكرهُ لكُلِّ أحَدٍ أنْ يَنْتَثِرَ ويُنَقِّي أنفَهُ ووَسَخَهُ ودَرَنَهُ ويَخلَعَ نَعلَهُ ونحوَ ذلكَ بيمينهِ مع القُدْرةِ على ذلكَ بيَسَارِهِ مُطْلَقاً) انتهى، 
🔴═◄ النهى عن البول في الماء الراكد أو الاغتسال فيه، قال ﷺ (لا يَبُولَنَّ أحدكُم في الماءِ الدَّائمِ الذي لا يَجْري، ثُمَّ يَغتسِلُ فيهِ) رواه البخاري ومسلم، والنهى عن إفساد البيئة وموارد الناس أو ظلهم بالبول أو التغوُّط فيها، قال ﷺ («اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قالُوا: وما اللَّعَّانانِ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «الذي يَتَخَلَّى في طريقِ الناسِ أوْ في ظِلِّهِمْ) رواه مسلم، وكان من هديه ﷺ وضع اليد أو نحوها على الأنف وقت العطاس، (عن أبي هريرةَ: «أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ إذا عَطَسَ غَطَّى وجْهَهُ بيدهِ أوْ بثَوْبهِ وغَضَّ بها صَوْتَهُ») رواه الترمذي وقال: (حَسَنٌ صَحيحٌ)، 
ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية :
🔴═◄ الأمر بحفظ الأطعمة ونظافتها، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول «غَطُّوا الإِناءَ، وأَوكُـوا السِّقاءَ، فإِنَّ في السَّنَـةِ لَـيْـلَـةً يَـنْزِلُ فيها وبـاءٌ؛ لا يَـمُـرُّ بـإِناءٍ ليسَ عليـهِ غِطاءٌ، أو سِقـاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إِلا نَـزَلَ فيه مِنْ ذلك الوَباءِ». [رواه مسلم].
ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة:
🔴═◄ توقِّي المَواضِعَ التي فيها الوَباء:
 فقد وضع الإسلام أساس الحجر الصحي في مكافحة الأوبئة القاتلة السارية بما يتوافق مع حقائق الطب (والمراد بالحجر الصحي: تحديد حرية الانتقال لمَن تعرض للعدوى بمرض معدٍ، وحجره مدة من الزمن تعادل أطول حد لحضانة ذلك المرض، فإذا ثبتت سلامته رفع عنه الحجر، وإلا عُزل بسبب إصابته) قال رسول الله ﷺ (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ -يعني: الطاعون- بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) (متفق عليه)،وهذا الحديث أصلٌ في الحجر الصحي الذي لم يعرفه العالم إلا على أبواب القرن العشرين، فقد أثبتت الدراسات أن البلد المصاب بالمرض الوبائي إذا خرج منه الإنسان فإنه يَنشر المرض وإن لم يُصب به، فأصبح أول قرار تتخذه الدول التي تُصاب بالوباء، بأن تحجُر على المنطقة الموبوءة. وقال ﷺ (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ) (متفق عليه)، وقال ﷺ (وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ) (رواه البخاري )
وقد سلك الرسول ﷺ الأسباب المؤدية لعدم انتقال العدوى نتيجة الأمراض المعدية، 
أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي ﷺ -: "إنا قد بايعناك فارجع".وكانت البيعة تتم بطريق اللمس، وذلك بوضع اليد في اليد، ولا يوجدُ أوضح وأصرح من هذا النص في تجنب التعامل مع المريض المصاب بمرض معدٍ. وقد فهم هذا المعنى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما أراد دخول الشام ومعه كبار الصحابة وقد استشرى الطاعون فيها ومات الآلاف، فأخذ بالأسباب والحذرِ والحي

HALAMAN

POPULAR POST