نبي الرحمة المهداة
ولد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مكة ، وهي وطنه ووطن
آبائه ، وكان أهلها يعبدون الأصنام ، ويعيشون حياة جاهلية ، لا يرضاها الله تعالى ،
فيها الوثنية ، وفيها الجهل ، وفيها الظلم …
فبعث الله رسوله ، وهو في سن الأربعين ، وأنزل عليه الوحي ، وأمره
بالدعوة إلى التوحيد ، والدين الخالص ، وفضائل الأعمال ، فعاداه أهل مكة ، حتى ضاقت
الأرض على هذه الدعوة ، وهذه العقيدة ، وتنكر أهلها لهما .
وأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالهجرة إلى المدينة ،
فخرج هو وصاحبه أبو بكر – رضي الله عنه – من مكة مُستخفيين ، واقتفى المشركون أثر النبي
الكريم ، ووصلا في طريقهما إلى غار ثور – وهو على جبل بين مكة والمدينة – ودخلا الغار .
وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين الغار والشجرة التي كانت على
وجه الغار ، وسترت رسول الله – عليه الصلاة والسلام – وأبا بكر ، وأمر الله حمامتين
فأقبلتا حتى وقعتا بين العنكبوت وبين الشجرة .
ووصل الباحثون إلى فم الغار ، ولم يبق بينهم وبين معرفتهم إلا
أن ينظر أحدهم إلى تحت قدميه ، ولكن الله حال بينهم وبين ذلك ، فاختلط عليهم الأمر
، ورأوا على باب الغار نسج العنكبوت ، وكيف يدخل أحد الغار ، ولا يقطع نسج العنكبوت
، ويبقى على حاله !
وبينما هما في الغار إذ رأى أبو بكر آثار المشركين ، فقال : يا
رسول الله ، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” ما ظنك باثنين الله
ثالثهما ” وفي ذلك يقول تعالى :
”
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ” (التوبة 40
) .
واختلط على الباحثين والمتفحصين الأمر ، وانصرفوا خائبين .
الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين (٢ )
وأقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة ، وبدأت دعوة
الإسلام تنتشر والناس يدخلون في دين الله ، وبقيت عداوة قريش والمشركين على حالها ،
وبدؤوا يحاربون الإسلام والمسلمين ، والمسلمون يقاومونهم ويقابلون السلاح بالسلاح ،
والجيش بالجيش .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ورجع عنها في الظهيرة
، وكانت أيام الصيف ، فأراد نبي الرحمة أن يستريح .
وليس في البرية مكان يستريح فيه الإنسان إلا الشجر .
وليس في البرية في بلاد العرب شجر كبير ، وليس فيها إلا السمُر
( شجر فيه شوك) .
فنزل الرسول الكريم تحت سمرة وعلق بها سيفه ، وتفرق الناس وناموا
، ونام رسول الله – عليه الصلاة والسلام – تحت السمرة .
وجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله – عليه الصلاة والسلام –
معلق بالسمرة وهو في غمده .
فأخذ المشرك السيف وسله من غمده ، واستيقظ رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم .
فقال المشرك … والسيف مسلول في يده … للرسول الكريم : تخافني ؟
قال رسول الله : لا !
قال المشرك : من يمنعك مني ؟
قال حبيب الله : الله .
فسقط السيف من يد المشرك ، فأخذ رسول الله – عليه الصلاة والسلام
– السيف ، وقال للمشرك : من يمنعك مني ؟
فقال المشرك : كن خير آخذ !
فقال الرسول الكريم : أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
قال المشرك : لا ! ولكني أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع
قوم يقاتلونك .
فخلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبيله .
فأتى المشرك أصحابه فقال : جئتكم من عند خير الناس .
لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الله في مكة ،
غضبت قريش وكانت تعبد الأصنام وتجلها ، وتتقرب إليها بالقرابين ، فتعرضوا للرسول بالأذى
، وعذبوا المسلمين ، فصبروا وثبتوا على دين الحق .
ولكن قريشا كانوا يمنعون الناس عن الإسلام ويحولون بين المسلمين
وعبادة الله ، فإذن الله لنبيه بالهجرة ، فهاجر إلى المدينة ، وهاجر المسلمون ، وكانت
المدينة أرضا طيبة للإسلام ، في أهلها لين ورقة ، قد أسلم منهم كثير قبل الهجرة .
ولما انتقل النبي الكريم من مكة إلى المدينة وسكن هنالك أحب أن
يبني مسجدا ، لأن المسجد لازم للمسلمين ، وهو قطب تدور حوله رحى الحياة الإسلامية .
وكان النبي نازلا في بيت أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – وكان
ضيفا عليه ، وكان قريبا من بيته مربد ، فأراد الرسول أن يبني المسجد في ذلك المكان
، فقال : لمن هذا المربد ؟
قال رجل من الأنصار اسمه معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله ! ليتيمين
، اسم أحدهما سهل ، واسم الثاني سهيل .
فطلب الرسول سهلا وسهيلا ، وهما ولدان يتيمان ، فلما حضرا ، كلمهما
النبي الكريم في أمر المربد وثمنه .
قال سهل وسهيل : هو – يا رسول الله – لله ، لا نشتري به ثمنا ،
فابن المسجد ، وقد طابت به أنفسنا ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى ، واشترى
منهما المكان ، ودفع الثمن .
وبنى المسلمون المسجد ، والرسول يعمل بيده وينقل اللبِن ، فقال
قائل من المسلمين :
لئن قعدنا والنبي يعمل *
لذاك منا العمل المضلل
وكان المسلمون يبنونه ويقولون :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره
* فارحم الأنصار والمهاجره
وقد زاد في هذا المسجد أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله
عنه – والملوك بعده حتى كان مسجدا جليلا جميلا ، يسع آلافا من المصلين ، قدّر الله
لكم زيارته والصلاة فيه أبنائي الأعزاء .
مصادر :
– قصص من
التاريخ الإسلامي ( أبو الحسن الندوي).